السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تخريج قصة : (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) ، وبيان ضعفها
سند القصة ومتنها بنصه :
روى ابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ( ص 290 ) قال : حُدِّثنا عن أبي عبدة ، عن ثابت البناني ، وحميد ، عن أنس بن مالك قال :
أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب ؛ فقال :
يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم .
قال : عذت بمعاذ .
قال : سابقت ابن عمرو بن العاص ؛ فسبقته ؛ فجعل يضربنى بالسوط ، ويقول : أنا ابن الأكرمين .
فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويَقْدم بابنه معه .
فقدم ،
فقال عمر : أين المصرى؟
خذ السوط ؛ فاضرب ؛ فجعل يضربه بالسوط ،
ويقول عمر : اضرب ابن الألْيَمَيْن .
قال أنس : فضرب ، فو الله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنهيرفع عنه .
ثم قال عمر للمصرى : ضع على صلعة عمرو ،
فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني ، وقد اشتفيت منه ؛
فقال عمر لعمرو :
مُذْ كم تعبدتم الناس ؛ وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
قال : يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني .
والقصة ضعيفة السند ، منكرة السياق والمتن ؛
في سندها انقطاع بين ابن عبد الحكم وبين أبي عبدة هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فأبي عبدة ضعيف.
وليس في متن القصة أن الرجل كان قبطياً كالرواية المتداولة المشهورة !!
وفي القصة ظلم لعمرو بن العاص لأنه لم يفعل شيئاً ؛ لأن الفاعل - لو صحت القصة- ابنه ؛ وفي شرعنا لا يؤاخذ الأب بذنب ولده .
وفيها سب من عمر لعمرو وولده ، وتعييرهما ؛ وهذا مما لا يجوز.
فالقصة لا تصح سنداً ولا متناً ولا يصح في المعنى فيها إلا جملة : ( متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)
والله أعلم .
ووووهذا نقد اخر
تستوقفني في تاريخنا الإسلامي قصص كثيرة وقد تداولها الناس على أنها قصص حدثت بالفعل ولا شك فيها إطلاقًا ، ومن بين هذه القصص قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع القبطي الذي جاء من مصر ليشكو لأمير المؤمنين الظلم الذي لحق به على يد ابن والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه وهذه القصة تقول " عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت بمعاذ ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربنى بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويَقْدم بابنه معه ، فقدم ، فقال عمر : أين المصرى؟ خذ السوط فاضرب
فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر : اضرب ابن الألْيَمَيْن - وفي رواية اضرب ابن الأكرمين- ، قال أنس : فضرب ، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصرى : ضع على صلعة عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربنى ، وقد اشتفيت منه ، فقال عمر لعمرو : مُذْ كم - ووردت بصيغ أخرى ..متى استعبدتم - تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، قال : يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتنى." اهـ
هذه القصة بتداولها الناس بل تدرس في بعض المناهج في الدول العربية والإسلامية ويذكرها الوعاظ في خطبهم ودروسهم ، ولطالما قرأت هذه القصة وسمعتها ولم أكن مقتنعًا بصحتها لأسباب سأذكرها لاحقا ، ولكن وبعد أن قرأت لأحد المدّعين السفهاء والذي يقوم بدور العالم والواعظ والداعي إلى دين الله سبحانه وتعالى – لن أذكر اسمه إلا إذا اضطررت لذلك - واستوقفني ما قاله بحق هذه القصة إذ يقول " وأكثر ما أعجبني في هذه القصة ليس موقف عمر بن الخطاب ولا عمرو بن العاص بل موقف القبطي الذي قال لعمر : إنما ابنه الذي ضربني : ( يعني بذلك )وما ذنب أبيه فهو لم يظلمني " وهنا رأيت أنه قد آن الأوان لوضع هذه القضية تحت المجهر .
لماذا هذه القصة ليست صحيحة؟
1- لأنّها لم تثبت بسند صحيح ومن يقول عكس ذلك فليثبت ونحن نستمع ولم تتعرض لها أمهات الكتب ، ومن كتب عنها فهو لم يثبت سندها وبما لا يقبل الشك في مصداقيتها والكتب التي ذكرتها قليلة جدًا وهي بدون سند صحيح .
2- لأنّها لا تبين عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقدر ما تبين عدالة ذلك القبطي الذي صحّح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حكمه على أساس أن الابن الذي ضرب فما دخل الأب فأصبح هو العادل لا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
3- يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل " (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الإسراء آية 15 وفي سورة فاطر {ولا تزر وازرة وزر أخرى }( فاطر 18 آية ). وفي كثير من السور الأخرى هناك ما يوضح المنهج الإلهي في العقاب والجزاء ، ولو تتبعنا ما جاء في هذه القصة التي بين أيدينا لوجدنا أنها تخالف مبدأ قانون العقاب والجزاء الإلهي ، فكيف يعاقب إنسان ما على جرم لم يقترفه ؟
4- هذه القصة فيها طعن مباشر بالصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه ، ويتبين ذلك من خلالها وبشكل جلي مما يدعونا للتساؤل " هل يمكن أن نصدق أن يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبما عرف عنه من عدل بضرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وعلى يد قبطي - أو غير قبطي فهذا ليس بيت القصيد - بذنب لم يقترفه وأما الملأ ؟ ألا يعتبر هذا الأمر إهانة وظلم لصحابي جليل على ذنب لم يقترفه ؟
5- سؤال آخر يقول : هل يحاسب الإنسان بذنب غيره ؟ الجواب كلا ما لم يكن متواطئًا معه أو داعيا له إلى الظلم أو مقرًا له على منكره. وهذا الأمر لا نجده عند عمرو بن العاص في هذه القصة . ونسأل سؤاًلًا آخر يقول : هل ذهب هذا القبطي إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وشكا له فعل ابنه؟ لماذا لم يسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص عن هذه المسألة ومعاتبته على عدم نصرة القبطي وإحقاق العدل ؟ هل يمكن أن نصدق أن القبطي تعرض لظلم ثم يذهب من مصر إلى المدينة المنورة وعلى راحلته في رحلة تستغرق أكثر من شهر ليشكو الظلم الذي حاق به وبكل بساطة يرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله هناك وبدون أن يتأكد من صحة القضية ويطلب منه أن يأتي إلى المدينة المنورة ثم وبلا مقدمات يأمر القبطي بضرب ابن عمرو بن العاص ومن ثمّ ضرب أبيه وبدون أن نعرف تفاصيل أخرى ؟ أعتقد أن هذا الأمر فيه سخرية واضحة من عقولنا ولا شك في ذلك.
ومن هنا فقد رأيت أن أعرض هذه القضية أمامكم من أجل أن نسمع آراءكم بارك الله فيكم .