*الجزء السادس والعشرين*
(هل ستعلم؟)
قال ضابط الشرطة بحزم وهو يتحدث الى طارق: اخبرني يا سيد .. ما الذي حدث؟.. ولماذا حاول هذا الشاب اذيتك؟..
قال طارق بهدوء: انا صحفي من جريدة الشرق قد جئت مع زميلتي لتصوير حدث احتراق المبنى.. ولكن هذا الشاب الوقح تعرض لزميلتي من قبل وتعرض لها اليوم ايضا.. وقد حاول مهاجمتي بالضرب ولكنه لم يستطع .. لهذا لم يجد امامه سوى ان يهاجمني بسلاحه وانا اعزل وهو يظن اني لن استطيع الدفاع عن نفسي في هذه الحالة..
سأله الضابط قائلا: ولم حاول ان مهاجمتك بالضرب منذ البداية؟..
اسرع ذلك الشاب يقول: لانه قد قام بمهاجمتي بالضرب اولا..
اتسعت عينا وعد وقالت بحدة: يالك من كاذب..
التفت الضابط الى الشاب وقال: اصمت انت.. اذا سألتك أجب .. اتفهم..
والتفت الى طارق ليكرر سؤاله قائلا: اخبرني لم حاول مهاجمتك بالضرب في البداية؟..
قال طارق وهو يزفر بحدة: لاني حاولت الدفاع عن زميلتي..
عقد الضابط حاجبيه وقال: ولم تدافع عنها؟.. مالذي حاول هذا الشاب فعله؟..
اسرعت وعد تقول: هل تسمح لي بالاجابة انا يا سيدي؟..
التفت لها الضابط وقال: تحدثي..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: لقد تعرض هذا الشاب لي قبل فترة ولكني اوقفته عند حده.. وقد كان زميلي في المرة السابقة معي ايضا.. وقد تصدى له ايضا.. ولما كنت هذه المرة وحدي وقد كان زميلي بعيدا عني.. قرر ان يثأر لنفسه.. وان ينتقم مني .. فتعرض لي وتجرأ على تهديدي والامسك بذراعي.. مما دفعني لصفعه على وقاحته هذه ..ورأى زميلي هذا وقرر الدفاع عني.. ولكن هذا الوقح قرر مهاجمته وضربه ..وعندما رأى ان زميلي خصما قويا له.. قرر استعمال الخنجر ومهاجمة زميلي به.. مما ادى الى اصابة ذراعه كما ترى يا سيدي ..
صمت الضابط مفكرا ومن ثم قال وهو يلتفت الى الشاب: والآن اخبرني انت.. لم حاولت التعرض للفتاة في الحالتين؟.. ولم حاولت مهاجمة هذا الصحفي بالضرب واصبت ذراعه بجرح عميق بخنجرك؟..
قال الشاب مصطنعا اللامبالاة: كل ما قيل كان كذبا وافتراءا علي.. لقد حاول هذا الصحفي اذيتي فدافعت عن نفسي بواسطة سلاحي..
قال الضابط بصرامة: تدافع عن نفسك بواسطة سلاحك وهو اعزل!..
قال الشاب وهو يهز كتفيه: ما باليد حيلة فقد كانت بنيته الجسدية تتيح له التفوق علي ..
قال الضابط بنفاذ صبر: ولم حاول اذيتك من الاساس كما تقول؟..
قال الشاب بمكر: لاني تحدثت الى زميلته قليلا ويبدوا انه يغار عليها الى درجة الجنون مما دفعه الى ضربي بغتة..
قال طارق بقسوة: تبا لك.. من اين تجلب كل اكاذيبك تلك؟..
والتفت الى الشرطي ليقول: سيدي تستطيع التحقق من الامر من زميلتي او من أي شخص رأى ما حصل بالطريق.. هذا الشاب قد حاول التعرض لزميلتي من قبل وصمت عنه.. لكن في هذه المرة تعدى على حدوده وامسك بذراعها امامي .. لهذا اوقفته عند حده بكلماتي.. ولكنه ثار وحاول التهجم علي بالضرب ولما تصديت له استخدم سلاحه.. وذراعي خير دليل لصدق ما اقول..
قال الضابط وهو يلتفت للشاب: هه.. ما رأيك؟..
قال الشاب وهو يلوح بيده: انه يكذب..
قالت وعد بغضب: بل انت من يختلق الاكاذيب طوال الوقت..
قال طارق متحدثا الى الضابط بنفاذ صبر: والآن ماذا يا سيدي؟..
قال الضابط وهو يزفر بحدة: لست اعلم من منكم الذي يقول الحقيقة.. ولكن في الوقت الراهن .. ستوقعان كلاكما تعهدا على عدم التعرض للآخر.. واذا عثرنا على الدليل الذي يدين أي منكما .. فسنرسل في طلبكما لنكمل الاجراءات القانونية..
ظهرت نظرة ماكرة في عيني ذلك الشاب .. وتمتمت وعد قائلة بحنق: يا له من ماكر خبيث..
ربت طارق على كتفها بهدوء ومن ثم قال: اذهبي لتجلسي وترتاحي قليلا ريثما ننهي هذه الاجراءات..
التفتت له وقالت بابتسامة شاحبة: سأظل معك..
قال طارق بابتسامة حانية : لن اتأخر.. اعدك بهذا..
وتحدث طارق الى الضابط قليلا ليسمح لوعد بانتظاره في الخارج... فسمح له الضابط بذلك بعد ان وقعت على اقوالها.. وتنهدت بحرارة وهي تلقي على طارق نظرة اخيرة قبل ان تغادر مكتب الضابط لتجلس على احد المقاعد بالخارج..
شعرت بالتعب.. بالضعف.. بأنها فتاة قبل كل شيء.. وتحتاج لمن يقف الى جوارها.. الى رجل تستمد منه الامان والقوة.. الى رجل تعتمد عليه .. يدافع عنها ولا يسمح لشخص بأن يلمس شعرة من رأسها.. شعرت بأنها اخطأت عندما اصرت منذ البداية على الذهاب وحدها .. وكان يجب عليها ان تقبل بعرض طارق.. ولكن ما حدث اليوم كان مجرد مصادفة.. فقد كاد يومها ان ينتهي بسلام لولا ما حدث..
لقد اقحمت طارق في مشاكل لا علاقة له بها.. ادخلته الى مركز الشرطة وربما يدخله لاول مرة بسببها..ماذا تفعل الآن؟.. هل هذا هو جزاء الاحسان.. لقد ساعدها مرارا ووقف الى جانبها.. شجعها.. ونصحها.. دافع عنها.. فهل جزاءه في النهاية اصابة في ذراعه.. واقرار يوقع عليه بعدم التعرض لذاك الشاب الحقير؟..
ولكن.. هناك اشياء لم تفكر فيها.. طارق.. كيف وصل اليها؟.. وكيف عرف العنوان؟.. هل تبعها؟.. لا لو كان كذلك لرأته منذ البداية.. ربما حصل على العنوان من رئيس التحرير بشكل ما وانطلق الى حيث هي.. لكن .. لماذا؟.. لماذا جاء؟.. هل كان يشعر بأنها في خطر؟ .. لا غير معقول.. اذا لماذا؟..
( وعد.. هيا سنغادر)
رفعت رأسها اليه لترى علامات التعب واضحة على ملامحه.. فقالت معتذرة: آسفة لكل ما عرضتك له من مشاكل بسببي..
وضع سبابته على شفته وقال: لا اريد سماع هذا الكلام.. انت زميلة عزيزة.. والدفاع عنك واجب علي..
تطلعت الى ذراعه وقالت بقلق وقالت: كيف حال ذراعك الآن؟..
قال بابتسامة: بخير.. بفضل اسعافاتك..
بادلته الابتسامة.. فقال هو: هيا لنغادر الآن..
قالها وهو ينتظرها ان تتحرك.. فسارت الى جواره وهما يغادران مركز الشرطة.. وما ان استقر بهما المقام في السيارة .. حتى قال طارق وهو يدير المحرك: سوف ننطلق الى الصحيفة.. لتسلمي تقريرك الى رئيس التحرير..
قالت باستنكار: ماذا تقول؟.. سنذهب الى المشفى اولا لنسعف ذراعك..
- دعك من ذراعي.. ستكون بخير..
- لا.. ثم ان تقريري قد وضعته بسيارتي عند ذلك المبنى..فالنذهب اولا الى المشفى لتعالج ذراعك ومن ثم يمكننا الذهاب الى الصحيفة..
قال طارق بتفكير: ولكننا قد تأخرنا كثيرا واخشى ان لا يقبل بتقريرك بعد ذلك..
هزت رأسها وقالت: لا يهم.. ما يهمني هي ذراعك الآن..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: ما رأيك ان انزلك بجوار سيارتك واكمل انا طريقي الى المشفى؟..
قالت وعد في سرعة: لا.. انت بالكاد تقود بذراع واحدة ..وتحتاج لمن يقود عوضا عنك ان احتجت لذلك..ثم ان الطريق الى المبنى يبعد مسافة طويلة نوعا ما عن هنا..
قال طارق بابتسامة: حسنا فهمت يا ايتها الزميلة العنيدة..
عقدت وعد ذراعيها امام صدرها ومن ثم قالت: جيد يا ايها الجليد المتحرك..
اتسعت ابتسماته وقال: لم اعد جليدا بعد اليوم.. لقد بات يتلاشى شيئا فشيئا..
التفتت له وقالت مبتسمة: ولم؟..
قال وهو يختلس النظرات اليها: الم اخبرك بأن صحفية عنيدة قد دخلت حياتي فجأة لتقلبها رأسا على عقب؟..
الجم الارتباك لسانها لبضع لحظات .. ومن ثم قالت مغيرة دفة الحديث: لم تخبرني.. كيف وصلت الى حيث كنت انا؟..
ادرك محاولتها في تغيير الموضوع.. وقال مجيبا: الم تتصلي بي؟..
قالت بدهشة : انا فعلت؟..لا ابدا لم....
بترت عبارتها.. وعقدت حاجبيها وهي تتذكر.. ومن ثم قالت بغتة: اجل.. لقد اتصلت لاخبرك ان كل شيء سار على ما يرام.. ولكني انهيت المحادثة في سرعة قبل ان تجيب على الهاتف..
قال طارق بهدوء:وانا شعرت بالقلق من هذه المكالمة وراودني شعور بأنك تحتاجين الي مما دفعني الى طلب العنوان من رئيس التحرير لآتي اليك..
- ومنحك العنوان بهذه البساطة؟..
قال طارق بابتسامة: مطلقا احتاج الامر الى حَبّك الموضوع واعداد قصة متقنة وبالكاد انطلت عليه..
قالت وعد بابتسامة: اعرفه.. داهية.. لا ينطلي عليه شيء ابدا..
ضحك طارق وقال: معك حق في هذا. .
وتوقف طارق الى جوار المشفى في تلك اللحظة ليقول: هاقد وصلنا الى المشفى.. خذي سيارتي وعودي بها و....
قاطعته في سرعة: لن اتحرك من مكاني قبل ان اطمأن عليك..
قال طارق وهو يهز رأسه: عنيدة..
قالت وهي تلتفت له: مغرور..
شعر بالدهشة والتفت لها قائلا: انا ؟..
اومأت برأسها بمرح وقالت: اجل انت..
رفع حاجبيه وقال بسخرية: يبدوا وانك ستجبريني على توصيلك الى الصحيفة الآن..لتعلمي من هو المغرور فعلا..
اسرعت تقول بتوتر: لا ..لا اريد العودة.. انت لست مغرورا ابدا..
قال مبتسما: جيد.. جيد..هكذا هي الفتاة المطيعة..
تطلعت اليه بحنق.. ولكن ابتسامته لا تلبث ان تجبرها على الابتسام ..فقالت مكابرة: لا تصدق كل ما يقال لك..
ضحك طارق مرة اخرى.. وهبط برفقتها .. ووعد تحمل بقلبها القلق الكبير على ذراع طارق المصابة...